تحليل البيانات وتطبيقات تعلم الآلة

هل يملك الذكاء الاصطناعي قابلية ذاتية للتعلم؟

هل يملك الذكاء الاصطناعي قابلية ذاتية للتعلم؟

مفهوم “التدريب” وأبعاده..

في نقاش (قديم متجدد) مع أحمد القاري، طرح تساؤلًا وجيهًا حول استخدام مصطلح “تدريب” في وصف تطور الذكاء الاصطناعي، مشككًا في دقته من منطلق فلسفي:

“لا يمكنك أن تدرب كائنًا على أمر لا قدرة له عليه.”

من هذا المنطلق، بدا أن هناك تحفظًا على إطلاق وصف “تدريب” على أنظمة الذكاء الاصطناعي، بناءً على افتراض أن التدريب يفترض وجود قابلية أصيلة للتعلم. فهل هذا الاعتراض وجيه علميًا؟ وهل الذكاء الاصطناعي يملك فعلًا قابلية ذاتية للتعلم؟

التدريب في الذكاء الاصطناعي: منظور علمي

في السياق العلمي، مصطلح “التدريب” يشير إلى عملية تحسين الوزنات الداخلية لنموذج حسابي بناءً على تجربة تكرارية مع بيانات وتغذية راجعة. النموذج اللغوي أو الشبكة العصبية لا تملك إرادة حرة أو وعيًا ذاتيًا، بل تعمل وفق منظومة رياضية صممت لتحسين استجابتها بناءً على تقليل خطأ معين (Loss Function).

من هذا المنظور، الذكاء الاصطناعي لا يتعلم كما يتعلم الإنسان، بل يخضع لعملية تحسين احتمالي منظمة ضمن حدود بنيته المصممة سلفًا.

القابلية: بين الكينونة الذاتية والتمثيل الإرادي

غير أن النظرة الفلسفية الأعمق تكشف لنا أبعادًا إضافية.
الذكاء الاصطناعي، وإن كان لا يملك إرادة ذاتية، فإنه في جوهره تجسيد لإرادة الإنسان الذي صممه وهيّأ له بنية قابلة للتعلم.
بمعنى آخر:

القابلية للتعلم موجودة داخل النموذج، لكنها انعكاس لإرادة الصانع البشري، لا نابعة من ذات النموذج.

وبالتالي، حين نقول إن النموذج “يتدرب”، فنحن نصف عملية حقيقية ضمن منظومة تمت هندستها عمدًا لهذا الغرض. ليس لأن النموذج يمتلك قدرة أصيلة مستقلة، بل لأنه يحمل صدى القدرة البشرية.

نقد وتحليل

من هنا، يصبح الاعتراض على كلمة “تدريب” بناءً على غياب القدرة الذاتية مفهومًا فلسفيًا ولكنه غير كافٍ علميًا.
الذكاء الاصطناعي ليس كائنًا منفصلًا عن الإنسان ليُطالب بقدرة ذاتية مستقلة، بل هو أداة مصممة لتحمل أثر الإرادة البشرية، بما فيها القابلية للتعلم والتحسن.

وهذا يشبه – على نحو ما – الأدوات التي يصنعها البشر: فالمجهر لا يملك “إرادة الرؤية”، لكنه، مع ذلك، قادر على تكبير الصور لأنه صُمم لهذه الغاية. كذلك الذكاء الاصطناعي: لا يملك “إرادة التعلم”، لكنه قادر على تحسين أدائه لأنه صُمم بهذه القابلية.

الخلاصة

قابلية الذكاء الاصطناعي للتعلم ليست ناشئة من كينونته الذاتية، بل هي استمرارية لنية الإنسان الذي أنشأه.
ولذلك، يظل مصطلح “تدريب” دقيقًا، متى أدركنا أن المتدرب هنا ليس كيانًا واعيًا، بل منظومة تحاكي قابلية التعلم عبر انعكاس إرادة بشرية فيها.

بهذا الفهم، يتسع إدراكنا لدور الإنسان في تصميم الذكاء الاصطناعي، ويصبح نقد المفاهيم المتداولة مدخلاً إلى تعميق وعي أعمق بالصلة بين الإنسان وما يصنعه من أدوات ذكية.

وسأختم بكلمة لي على شكل اقتباس يجيب الاقتباس الأول للقاري:

“يبقى الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف مرآة لإرادة الإنسان ومحدوديته معًا. وإدراكنا لهذه الحقيقة هو ما يمنحنا القدرة على التعامل مع تطور هذه النماذج بأخلاقيات أكثر ووعي أعمق.”

وعلى ذكر الموضوع.. لدي مقال قادم حول عمل أشتغل عليه (التلخيص والقراءة الآلية للكتب التراثية العتيقة)، نشرتُ عنه في الشبكات ونسيتُ التدوينة، بعد براد الشي أنشره بإذن الله 🫖☕️😁

السابق
حين تصبح الحرية مشروعًا قابلًا للبرمجة
التالي
الفرق ليس في الكود، بل في الحديد؛ والعتاد هو المعركة الحقيقية في الذكاء الاصطناعي