في عصر الذكاء الاصطناعي، أصبحت فلاتر الصور أكثر من مجرد أدوات تجميل. فقد بات بالإمكان تحويل صورة واقعية إلى لوحة فنية بأسلوب أنمي، أو مشهد مستوحى من أفلام استوديو غيبلي، أو حتى إلى شكل كرتوني طفولي بريء.
لكن ما يبدو في ظاهره ممتعًا وبريئًا، قد يخفي خلفه تهديدًا حقيقيًا لخصوصيتك وهويتك الرقمية، خاصة حين تظن أنك محمية خلف “فلتر”.
🎭 الصورة المعدلة ليست قناعًا آمنًا
كثير من المستخدمين، خصوصًا الفتيات، يلجأن إلى فلاتر الأنمي أو غيبلي عند نشر صورهن، اعتقادًا أن هذه التعديلات تحمي هويتهن وتُبعد الصورة عن واقعها الحقيقي.
لكن التقنيات الحديثة أثبتت عكس ذلك تمامًا.
اليوم، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على الشبكات العكسية (Inversion models) أو نماذج الاستعادة الواقعية (De-Stylization)، يمكن بكل سهولة استرجاع صورة قريبة جدًا من الأصل، انطلاقًا من النسخة المعدلة.
🧠 كيف يتم ذلك تقنيًا؟
- تحليل النمط البصري للصورة المعدلة: يتم تمييز حدود الفلتر (سواء كان نمط أنمي، أو رسم مائي، أو طلاء زيتي).
- عكس التعديلات باستخدام شبكات عصبونية مدربة على استرجاع الملامح الحقيقية من الصور المعدلة.
- توليد صورة واقعية جديدة تحاول استكمال ما تم إخفاؤه عبر الفلتر، بما يشمل لون البشرة، ملامح الوجه، تسريحة الشعر، وحتى الإضاءة والخلفية.
النتيجة؟
صورة واقعية تشبه إلى حد بعيد الأصل، رغم أن المستخدم لم ينشر صورته الحقيقية أبدًا!
⚠️ مثال واقعي:
قد يظن البعض أن الموضوع صعب ويحاول إقناع نفسه بوهم كاذب، لكن الحقيقة أنه سهل جدا دون أي أدوات مخصصة، بل عبر نفس التطبيقات التي تُطبق الفلتر، “شات جي بي تي” نفسه مثلا !!
صحيح أننا لا نضمن استرجاع الصورة الأصلية، لكن يمكن الحصول على نتائج شبه أصلية ببعض التوجيه (خاصة مع توفر أكثر من صورة مفلترة (أو نصف صور، صور مغطاة..الخ) لنفس الشخص !
مثلا، في حملة على تويتر، شارك المئات من الشباب والفتيات صورهم المعدلة بفلاتر كرتونية لطيفة.
إحدى المشاركات، فتاة نشرت صورة بأسلوب غيبلي، تظهر فيها بملامح ناعمة وسط مشهد فني جميل.. ولأنها وضعت صورتين، سيسهل الامر أكثر، دعنا نُجرب !!
طبعا قُمت هنا بطمس المعالم الدقيقة للصور حفظا للخصوصية، لكنني تركت الهيكل العام لها لتوضيح ما أتحدث عنه (يمكنك أخذ أي صور أخرى من الانترنيت واستخدامها ثم مقارنتها بالصور الحقيقية لنفس الأشخاص إن كانوا يشاركونها على صفحاتهم.. ببعض التوجيه للنموذح ستُذهلون بالنتيجة ! عكس تام (أو، تحديدا: شبه تام) للفلترة واسترجاع لصورة قريبة جدا من الأصلية.
كنت أتوقع ظهور تشوهات واضحة، أو أخطاء تجعل الصورة تبدو اصطناعية، لكن النتيجة كانت صادمة:
الصورة الجديدة أظهرت ملامح دقيقة، لون بشرة مطابق (أعي جيدا ما أقول)، زوايا وجه حقيقية، وتفاصيل قريبة من الواقع إلى درجة كبيرة جدا (طبقتها على صور أخرى، في غياب معلومات إضافية قد تكون بعيدة نوعا ما، اما في وجودها فالنتائج لا يمكن لإنسان اطلع عليها لولهة ولم تكن له خلفية بالموضوع أن يميزها عن الأصل.. جربتها حتى على نفسي !!!).
هنا الصورة نشرتها صاحبتها في تغريدة من التغريدات المنتشرة بهذا الشأن:

وفي ما يلي صور معكوسة عبر نفس التطبيق الذي ذُكر انه استخدم في التغريدات المعنية (ج.ب.ت).. لم أكلف نفسي سوى توجيه بسيط له:

لم يتوقف الأمر هنا، باستخلاص ملامح أصلية/شبه أصلية يمكننا محاولة تخمين الجسم نفسه، ثم اقتراح وضعيات مختلفة للصورة وتغيير في طريقة الجلوس أو الوقوف..الخ:

هل هذا كل شيء؟ لا، بل يمكننا جعل الشخصية تجلس في مطعم أو تقف في طريق او في أي مكان اخر (الأسوء: يمكن دمجها في مشاهد حقيقية !)

ولأن الغرض هو فقط إثبات إمكانية ما ذكرناه وأن القول بحفظ الخصوصية هنا هو كلام غير دقيق تماما، فسأتوقف هنا، ولكم الحرية في الاختبار بأنفسكم طبعا.. فلا إمكانيات تقنية مطلوبة ابتداءً !!
🔒 ما الخطر في ذلك؟
- انتهاك الخصوصية: يمكن استخدام الصورة المُولّدة في سياقات مسيئة دون إذن من صاحبتها.
- التحرش أو الابتزاز: الصور “المسترجعة” قد تُستخدم في استهداف الضحية أو تهديدها.
- سرقة الهوية: قد تُستعمل الصور ضمن حسابات وهمية أو مواقع مشبوهة.
- الاستخدام التجاري غير المرخّص: صور أشخاص تُستخدم في إعلانات أو نماذج دون علمهم.
🛡️ كيف نحمي أنفسنا؟
- عدم مشاركة الصور المعدلة في سياقات عامة (خاصة عند استخدام فلاتر شديدة التخصيص).
- تجنّب الفلاتر التي تحافظ على البنية العامة للوجه والجسم، لأنها تسهّل عملية الاسترجاع.
- استخدام أدوات توقيع رقمي أو وسم مائي على الصور قبل نشرها.
- تعزيز الوعي حول أن “الصورة المعدلة ليست حجابًا رقميًا”، بل قد تكون خيطًا يقود إلى الأصل.
- المطالبة القانونية بحماية المشتقات البصرية للمستخدم، وتجريم إساءة استخدامها.
✍️ الختام:
في زمن الذكاء الاصطناعي، لا توجد صورة آمنة تمامًا.
الفلتر ليس قناعًا حقيقيًا، بل أحيانًا باب مفتوح إلى خصوصيتك.
فكر(ي) ألف مرة قبل أن تضعي صورتك، حتى وإن كانت “مرسومة” أو “كرتونية”، في فضاء مفتوح.
ربما تكون (ين) قد أعطيتِ لمن لا تعرف(ين) مفتاحًا سهلًا لاقتحام خصوصيتك !